كما سبق ان تحدثنا في الجزئين الماضيين عن تعريفات الأمن الغذائي ومعانيه والامور التي تساهم في تقوية هذا الامر وأيضا الأمور التي ساهمت بوصوله الى الحضيض وخصوصًا في العراق.
أما عن حديثنا اليوم فأنه متعلق بثلاثة محاور رئيسية يتركز عليها الأمن الغذائي في البلد إجمالاً
وهي
أولاً : الفجوة الغذائية في العراق
إن الفجوة الغذائية تمثل “الفرق بين الكميات المنتجة محليا و الكميات اللازمة للاستهلاك المحلي، أي وفي حالة العراق فأنها تعني الفرق بين ما يستطيع البلد إنتاجه من السلع الغذائية وبين ما يكفي الاحتياجات الأساسية لتوفير الغذاء لمجموع السكان، وأما العراق، فان البلد يعاني من تدهور شديدة في الطاقة الانتاجية الحالية والتي لا تغطي الاحتياجات الاستهلاكية، وهذا الوضع يستدعي اللجوء إلى استيراد اغلب السلع الغذائية الأساسية بكميات كبيرة وبطبيعة الحال عندما يصبح معدل نمو الاستهلاك يفوق بما يتجاوز الضعف معدل نمو الانتاج الزراعي، فان حجم الواردات الغذائية يجب ان يرتفع من اجل سد الفجوة الغذائية المتزايدة أو التقليل منها، وهذا بلا شك أمر مطلوب، فان اتساع الفجوة الغذائية وعدم التحكم فيها ينتج عنه اثار سلبية لاتقتصر فقط على الجانب الاقتصادي للبلاد بل و حتى على الجانب السياسي والأمني.
يعاني العراق منذ سبعينات القرن الماضي من فجوة غذائية تتمثل بإنتاج السلع الاساسية الاستراتيجية مثل الحبوب الزيوت السكر ومنتجات الالبان وذلك بسبب تزايد الطلب عليها مع الارتفاع المستمر لعدد السكان ، يمتلك العراق من الموارد الطبيعية ماهو كفيل بتقليص هذه الفجوة الى حدود معقولة ، وبالطبع بسبب الحروب والصراعات التي مرت على البلد لم يتم توفير منظومة حقيقة تعمل على سد هذه الفجوة بالشكل الصحيح.
ثانياً :الاكتفاء الذاتي
تدهورت نسبة الاكتفاء الذاتي في العقدين الماضيين حتى وصلت الى مرحلة تعد الآن حرجة جداً حيث اصبح العراق الان دولة مستوردة للغذاء مثل الحبوب إضافة إلى الكثير من السلع الغذائية الأخرى، مما يشكل تدهور معدلات الاكتفاء الذاتي خطراً على الأمن الغذائي الذي يمثل أحد المكونات الأساسية للأمن القومي .
الاكتفاء الذاتي من أهم الأمور التي ترتبط ارتباط وثيق بالوضع الأمني للبلد والإدارة الناجحة لموارده والعراق يفتقد لهذه الأمرين منذ بداية الألفية الجديدة ، يحتاج الاكتفاء لكي يتحقق الى أمور أهمها شبكات الأمان الاجتماعي، وتنظيم الأسرة، والتعليم، ووفرة الإنتاج الزراعي، وسبل العيش في الريف، فضلاً عن العوامل السياسية التي تقوم بدور كبير في الأمن الغذائي في العراق، كلها مهمة وجوهرية في العراق كما هو الحال في اغلب الدول النامية وللأسف اليوم وفي ضل ما يعيشه العراق من واقع سياسي واقتصادي وأمني فأن تحقق هذه الأمور يعد مهمة شبه مستحيلة.
ثالثاً : البطاقة التموينية
لاشك ان البطاقة التموينية ومفهومها من الأمور الجيدة التي تم اتخاذها فيما يعود على النفع للمواطن العراقي ، ولكن على عكس ما يتوقع غالبية الناس فأنها ليست الشكل الأمثل لتحقيق مفهوم الأمن الغذائي بل تعتبر من الحلول المؤقتة و الترقيعية للوصول لتحقيق مفهوم الامن الغذائي .
والمثال الفعلي على ذلك هو توصية منظمة الفاو التي خلصت الى الآتي: ” ان الدول الأعضاء التي تخصص 10% من ميزانيتها السنوية من أجل الإنتاج الزراعي فأنها ستكون قادرة على تحقيق الأمن الغذائي ، وهذا يوضح حجم الفجوة الهائلة في القرارات المتبعة في العراق لقضية الأمن الغذائي مقارنة بالمقاييس الدولية. وللمقارنة فقط فإن تخصيصات ميزانية عام 2011 لقطاعي الزراعة والموارد المائية في العراق هي أقل من إثنين بالمئة (2%) وهذا اقل من المعدل العالمي في الدول النامية والبالغ خمسة بالمئة (5%).
لذلك نحن هنا لا ننكر دور البطاقة التموينية وأهميتها وحقيقة احتياج المواطن لوجودها ، لكنها حقيقةً دعوة للصحوة فيما يخص أمن المواطن الغذائي والخروج بحلول فعلية وحقيقية تكون على الأقل ضمان للأجيال القادمة. الأمن الغذائي هو حالة دائمة تتحقق عندما يحصل جميع المواطنين في جميع الأوقات على احتياجاتهم الغذائية ليعيشوا حياة كريمة.
.لتأكيد الأمثلة التي تم ذكرها نستعرض لحضراتكم جدول مقارنة بين العام 1960 والعام2018 من حيث الميزانية ، عدد السكان ، والناتج المحلي، والاستيراد.
سنة ١٩٦٠
٩٥٦٠٠٠ الف رؤوس اغنام
١٥٥٠٠٠٠ مليون رؤوس ابقار
٨٥٧ الف طن قمح
٣٤٠٠٠ الف طن لحوم ابقار
٣٨٠٠٠٠ الف طن تمور
٤٦٠٠٠ الف هكتار الاراضي الصالحة لزراعة
٢٠٠٠٠٠٠ مليون رأس ماعز
سنة ٢٠١٨
٦٦٥٠٠٠٠ مليون رؤوس اغنام
١٨٩٨٠٠٠ مليون رؤوس ابقار
٢٩٩٠٠٠٠ مليون طن قمح
١٧٠٠٠ الف طن لحوم ابقار
٦٣٥٠٠٠ الف طن تمور
٥٠٠٠ هكتار الاراضي الصالحة لزراعة
١٣٠٠٠٠٠٠ مليون رأس ماعز
ختاماً كل ماسبق ذكره هو دعوة لكل مواطن عراقي
وتعريفه بحقيقة ما يجري وخطورة استمراريته والتي تهدد وجود بلد بأكمله وتنذر بكارثة تهدد أجيال كاملة.
*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز