الواقع الصحي في العراق بين ويلات الحروب وخراب الفاسدين …!

934 Views

عاش الواقع الصحي في العراق حالة من التذبذب على مدى سنوات طويلة وخصوصاً للأعوام التي تلت عام ٩٠ ،٩١ وحتى يومنا هذا ولعل اهم ما تعرض له القطاع الصحي في تسعينيات القرن الماضي هو الصراعات العسكرية والحروب التي نشبت في تلك الفترة وصولاً إلى العام ٢٠٠٣ والذي وضع مسمار اخير في نعش القطاع الصحي العراقي حيث تم تدمير ما يقارب الـ١٢ بالمئة من اعداد المستشفيات وكذلك العديد من المرافق الصحية والمختبرات التابعة لوزارة الصحة العراقية وهذه النسبة هي وفقاً لمنظمة الصحة العالمية ومن المتوقع ان النسبة الحقيقة اعلى من ذلك بكثير، ولا يخفى على القارئ العراقي الواقع الحقيقي للمنظومة الصحية في البلد وماتعانيه من تردي بالمستوى منقطع النظير في بلد كان في احد الايام احد الوجهات المرموقة للسياحة العلاجية في الوطن العربي ودول الخليج.

وفي عام 2004م طرأ بعض التحسن عن طريق التمويل الدولي، اشتغلت نحو 240 مستشفى و 1200 مركز للرعاية الصحية الأولية، وقلّ النقص في بعض المواد الطبية، وبدأ تدريب العاملين في المجال الطبي،.أما اجراءات الوقاية الصحية في المستشفيات العراقية فلا تزال غير مرضية بالمستوى الطبي، ووجود نقص في الموظفين المدربين والأدوية، والرعاية الصحية لا تزال غير متوفرة إلى حد كبير في المناطق التي تعاني من الإرهاب.

وفي عام 2005م بلغت 15 سرير مستشفى، و6.3 طبيب و11 ممرضة لكل 10000 مواطن عراقي ، في عام 2006م، وضعت خطط لتخصيص 1.5 مليار دولار أمريكي من الميزانية الوطنية للإنفاق على الرعاية الصحية .

” ياترى اين ذهبت المليار ونص”

وفي أواخر التسعينات، إزدادت معدلات وفيات الرضع إلى أكثر من الضعف ،إزدادت معدلات الوفيات والمضاعفات من مرضي السرطان والسكري في أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، بسبب انخفاض في نسبة التشخيص والعلاج لهذين المرضين في التسعينات.

إن انهيار البنية التحتية للمرافق الصحية والصرف الصحي وتعقيم المياه في عام 2003م، أدى إلى زيادة في حدوث وباء الكوليرا، والدوسنتاريا، وحمى التيفوئيد، وسوء التغذية، وأمراض الطفولة (كالربو، والأيدز، وفقر الدم وغيرها) .

نستوقف القارئ هنا لنعد الى الوراء قليلاً وتحديداً لفترة نهاية السبعينيات من القرن الماضي حيث انشئ العراق في تلك الفترة نظام الرعاية الصحية : أنشئ العراق نظام رعاية صحية، مركزي، ومجاني في نهاية ال(1970)، بإستخدام نظام صحة علاجي (curative care)، مستنداً على رأس المال المركز، ونظام المستشفيات الصحيح.

واعتمدت البلاد بنطاق واسع على استيراد المعدات والأدوية الطبية، وحتى الممرضات، وثمنها دفع من أموال الصادرات النفطية، وهذه المعلومات وفقاً لـ”مخلص مشاهدة” (Watching Brief)، والذي أصدرتة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية (منظمة الصحة العالمية) في يوليو 2003.

وطور العراق في تلك الفترة وبالرغم من الحرب التي كانت تدور رحاها في الفترة نفسها إلا ان نظام غربي من المستشفيات المتطورة، وأطباء مختصين في إجراء العمليات الطبية المتقدمة تم انشاءه والعمل به .

ووفقاً للتقرير السابق ذكره، أنه قبل سنة 1990، 97 بالمئة من سكان الحضر و 71 بالمئة من سكان الريف لديهم القدرة للحصول على الرعاية الصحية الأولية مجاناً، فيما اقتصرت إدارة القطاع الخاص على 2 بالمئة من أسرة المستشفيات بالعراق.

ولعل جائحة كورونا وتبعاتها وما افرزته من تحديات خلال هذه الفترة والتي تخطت الجوانب الصحية إلى الاقتصادية والمالية في معظم دول العالم.

لا انها تشكل تهديداً استثنائياً في العراق وذلك بفعل تراكمات ١٧ عاماً من الفشل الذريع في إدارة شؤون الدولة وإهدار مواردها بطريقة أفقدتها مناعتها وقدرتها على مواجهة المصاعب والتعقيدات، بحيث تبدو عملية الإصلاح اليوم متأخرة وغير مضمونة النجاح.

وفيما بدا القطاع الصحي المتهالك في العراق والاحداث المتسارعة المتعلقة بفايروس كورونا تتجاوزه بوتيرة متسارعة، بدأت المخاوف تسود من متوالية انهيارات قد تتداعى وتطال مختلف القطاعات والأنشطة الحيوية لتصيب القطاع الاقتصادي والمالي في مقتل ولتجعل توفير الضرورات امراً غير مضمون في ظل شكوك في قدرة الحكومة على مواصلة دفع رواتب الموظّفين والمتقاعدين.

ولعل من الامور الغريبة هو مجئ حكومة جديدة للعراق بالتزامن مع تفشي فايروس كورونا والتي جاءت خلفاً لحكومة عادل عبدالمهدي التي سقطت في نوفمبر الماضي تحت ضغط موجة من الاحتجاجات الشعبية على سوء الأوضاع في البلد من مختلف النواحي.

ولا يخفى على القارئ او المتابع للشارع العراقي للواقع الصحي المتردي في البلد وقد ظهرت عدة صور التقطها مرضى في أكبر المستشفيات الحكومية داخل مدينة الناصرية جنوب العراق وضعاً مزرياً لمصابي كورونا، لجهة نقص احتياجاتهم الطبية الأساسية، ما تسبب في عدد قياسي من الوفيات خلال ساعات.

وخلت مستشفيات البصرة والناصرية بجنوب البلاد من قناني الأوكسجين الضرورية لإنعاش الحالات الحرجة بين المصابين بفايروس كورونا.

وكذلك عانت المستشفيات في مناطق الوسط والشمال من نفس الوضع المتردي لتوفير الرعاية الصحية للمرضى.

وكشفت إحصاءات غير رسمية عن مؤشرات مقلقة في ما يتعلق بتحول المستشفيات الحكومية العراقية إلى مناطق موبوءة بالفايروس.

وتقول الإحصاءات إن معظم الحالات الحرجة التي تدخل المستشفيات في بغداد والمحافظات تنتهي إلى الوفاة، مقارنة بالحالات الحرجة التي يجري احتواؤها في المنزل، لذلك ينصح الكثير من الأطباء العراقيين المرضى بالبقاء في منازلهم حتى إذا كانت الأعراض شديدة.

وفي مظهر على جدّية التهديدات الحافة بالعراق جراء جائحة كورونا، اضطر رئيس الوزراء إلى الاستنجاد بالقوات المسلّحة لمواجهة الوباء ، وأوعز مصطفى الكاظمي، إلى الجيش والحشد الشعبي بدعم جهود وزارة الصحة في مكافحة الفايروس.

ولعل اغرب ما يمكن قوله في جميع ما سبق ان الحكومة العراقية الموقرة واحزابها السياسية المحترمة وعلى مدى ١٧ عاما قامت بأنشاء خمس مستشفيات ولا تعد مستشفيات كبيرة فقط لاغير على الرغم من كمية الاموال الطائلة التي اتيحت لهم خلال هذه الفترة.

“تتذكرون المليار و نص سولفنا عنها بالبداية”

واستناداً الى العديد من الخبراء في المجال الاقتصادي وصلنا الى التالي: “ويقول خبراء في مجال الاقتصاد، إن الحكومات التي تتابعت على إدارة العراق بعد سقوط نظام حزب البعث أهدرت أكثر من ألف مليار دولار أميركي من دون أن يتحسن أداء أي قطاع خدمي، بما في ذلك الصحة.”

ختاماً اخي القارئ جميع ماتم ذكره سابقا هو نتيجة لمعادلة واحدة بسيطة جداً الا وهي ” السياسيين واحزابهم الفاسدة”

 

 

*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز

لا تعليق

معلومات الإتصال

[email protected]

راسلنا

    مركز ذو الفقار للدراسات و الابحاث الاستراتيجية و حقوق الإنسان .... و هو مؤسسة خاصة بحثية مستقلة تعنى بالشأن العام في العراق وتأثيرات محيطه الاقليمي والدولي عليه.