عندما كان الشباب هم الطاقة البشرية الكامنة والاحتياط المكنون وشريان الأمة النابض بالحيوية والطموح وأمل الشعوب في تغيير الواقع نحو مستقبل أفضل. وعندما كانت الشعوب تفتخر بنسبة الشباب العالية في تركيبة سكانها وهم الفئة التي يقع على عاتقها النهوض في تنفيذ الخطط التنموية للبلاد.
وكما تتشابه احتياجات الشباب في كل بقاع الأرض أيضاً تختلف الحكومات حسب نوع السياسات التي تتخذها في معالجة قضايا الشباب.
واما محور حديثنا في هذه الدراسة هو تسليط الضوء ومحاولة الاجابة على العنوان المطروح اعلاه والذي يعد سؤالاً جوهريًا يوضح حقيقة مايمر به الشباب العراقي ومايعصف به من تقلبات سياسية وصراعات اقليمية جعلت هذا المكون الاساسي وشريان الحياة الحقيقي للبلد لا يحلم الا بلقمة عيش ومواطنة بسيطة تحقق له الحياة الكريمة، اخواني وباختصار شديد: لماذا يفكر اي شاب عراقي بترك بلده؟ وهنا الجواب بسيط لماذا يفكر بالبقاء ماذا قدمت الحكومات المتعاقبة وماذا قدم السياسيين للشباب العراقي؟ الم يكتفي الشباب من الوعود على مدى ١٧ عام؟ لعل هذا هو اجابة سؤالنا السابق طرحه.
ان استثمار الشباب في اي أمة يكون على محورين
اولهما: الاستثمار الإيجابي للشباب ولشريحتهم التي هي اساس بناء الوطن وذلك باعتبار الشباب هو المحرك الرئيسي والاساسي لعملية التنمية والبناء والتقدم في كافة المجالات والأصعدة فتنتفع بها الشعوب وينتعش بها الاقتصاد وينتشر على اثر استثمارها الامن والامان والاستقرار وكل ذلك يتم من خلال توضيف طموحات هذا الشباب وتطوير قدراتهم على مواجهة الصعاب في عملية البناء والتطوير .
واما ثانيهما: فهو الاستثمار السلبي لهذا الشباب والذي يقوم على هدر هذه الطاقات وتعطيلها وعدم الاستفادة من قدراتها وامكانياتها الهائلة، لتتحول فيما بعد لتصبح سبب في تأخر البلد وتحطيم عجلة الاقتصاد فيه وتصبح سببا في الصراع الامني والتوتر الطائفي الذي يؤدي الى شلل تام في جميع مرافق الحياة اذا لم يتم تداركه سريعا.
ولعل اهم ما يذكر كأمثلة على الاستثمار السلبي للشباب العراقي هو الاتي:
أولاً: الحروب والمعارك الحروب وبجميع اشكالها تعتبر اخطر الأسلحة التي تقوم على تدمير الطاقة البشرية عموماً والشبابية بشكل خاص وتعد سبباً رئيسياً في تخلف الشعوب وتراجعها عن المضي قدماً في حركة البناء والتطوير في جميع مجالات الحياة و تؤدي الى اهدار الطاقات المادية والبشرية والمعنوية، وإجهاض الفكر التنموي الذي يساهم بشكل اساسي في بناء البلد مما يجعل هذه الدول تعاني من أزمات متفاقمة، والسبب في ذلك هو تدمير اللبنة الرئيسية والاساس الحقيقي لعملية النهوض بالبلد ومما لايخفى على القارئ فأن الشباب بطبيعة الحال هم من يواجه خطر الحرب في الدفاع عن البلد فهم الوقود البشري لهذه الحروب اذ يقتل منهم من يقتل ويعوق منها سواءً جسديا او نفسيا من يعوق ، لنجد انفسنا عاجزين بعد ان فقد البلد مخزونه الاستراتيجي المستقبلي الحقيقي .
والتاريخ العراقي الحديث ومنذ بدايةً الثمانينات زاخر بكم مهول من الحروب والمعارك الطاحنة والتي خلفت اثارها ما خلفته من كوارث على هذا الشباب ، وهنا يجب التوضيح بأننا لانقصد بالشباب الذكور فقط ، فعندما كان الذكور في ساحة المعركة فقدت النساء العراقيات الزوج والاخ ولاب والمعيل مما أدى الى انهاك حقيقي لهذه الفئة من الشعب.
وأما بالنسبة لهذه الحروب فهي لاتخفى على القارئ ولكن لابد من ذكرها والامر بأختصار شديد جداً ، بدأ في عام ٨١/٨٠ وحتى يومنا هذا.
ثانياً الركود الاقتصادي: وأما فيما يخص هذا المحور فأن الحروب عادة ماتنتج طبقة فاحشة الثراء وهي طبقة تجار السلاح والموت والدمار، وهذه الطبقة واضحة ومعروفة لدى الشباب العراقي منذ ١٧ عاما وحتى يومنا هذا، واما على الصعيد الاخر وهم الشباب هنا فأنها تنتج شباب عاطل عن العمل مثقل كاهله بأعباء اقتصادية واجتماعية لايقوى على حملها ولذلك رأينا الشاب العراقي يقاتل على الجبهات ويذهب بأجزته للعمل بأجر يومي حتي يعيل اسرته . وبعد كل هذا وذاك يقع على عاتقه تحمل التقشف والركود الاقتصادي الذي تنتجه الحروب بمفرده .
لعله من الافضل ان نمسك أعنة الكلام هنا لنستشهد بالاية الكريمة ” مالكم كيف تحكمون” الصافات ١٥٤. ونستكمل الكلام هنا ولازلنا في بحر الركود الاقتصادي لنذكر اهم المحاور الرئيسية التي تندرج تحت هذا الامر وهي :
البطالة: وأما بهذا الخصوص فأن البطالة تعد اهم نتائج الركود الاقتصادي، وعدم توفر فرص مما يجعل الشباب يشعر بالإحباط والانكسار والخيبة التي تؤدي بهم الى نتائج وخيمة فيصبح هذا الشباب قوة معطلة قد تسلك طريقاً يجعل من هذه الطاقة الغاضبة من الواقع الاقتصادي المرير الذي تعيشه طاقة سلبية مهدورة تعمل على تدمير البلد باتخاذها الأساليب غير المشروعة من اجل توفير لقمة العيش مما يجعلها تفكر جدياً بالهجرة .
أزمة الهوية:
أما بهذا الشأن لعل ماذكرناه سابقا من واقع يعيشه الشباب العراقي ومن ازمات متعاقبة توالت على البلد والأحباطات التي تعرض لها الشباب جعلتهم لا نقول يتخلون عن الهوية وأنما يبحثون عن ملجأ و طرق للهجرة توفر لهم سبل العيش الكريم وتنقذهم من رحى الصراع الدائرة وماخلفته الحروب والاقتتال الطائفي وعدم العدالة الإجتماعية وصعوبة حصولهم على الفرص العمل ، من انعكاسات حقيقة على واقعهم المرير.
ومن الامثلة الدامغة في وقتنا الحالي على وجود ازمة حقيقية للهوية هو ما نراه ونسمعه مما يتم تداوله في الشارع العراقي ويُتهم به الشباب تارة بانهم يتبعون ايران وتارة بانهم يتبعون السعودية ومرة بكونهم مع تركيا واخرى باتباعهم لأجندات قطرية واخرى اماراتية او سعوديه وغيرها لمجرد أنهم يحاولون أن يبدوا برأي معين او أن يكونوا مشاركين في صناعة قرار معين، ثم يتم تناسي كونهم هم العراق!؟.
أزمة التعليم
لا يخفى على القارئ ما مر ويمر به العراق وعلى مدى عقدين من الزمن تقريبا من تردي واضح وملموس للعملية التعليمية في البلد ابتدأً من المدارس الاساسية ثم الثانويات وانتهاءً بالتعليم الجامعي ، والذي يعاني في الطلاب من امور عدة لعل اهما وخصوصا في الجامعات هو المحسوبيات والتبعات السياسية وعدم تكافوء الفرص خصوصا بعد اقرار التعليم الأهلي مع طلبة الجامعات الحكومية وعانى من ذلك الطلبة الذين لاتتوفر لديهم الإمكانية المادية، مما جعل حالة الإحباط والشعور باليأس تدب بين معظم الشباب الجامعي، وبالخصوص صعوبة توفر فرص العمل بعد التخرج وهذا من الأسباب الرئيسية التي يعاني منها التعليم العالي على وجه الخصوص هي عدم تكافؤ مخرجات التعليم مع فرص العمل المتوفرة في سوق العمل وعدم استيعاب العديد من المؤسسات الحكومية للطلبة الخريجين وإيجاد وظائف تناسب اختصاصهم. وأما بالنسبة للجانب الأكاديمي والمهني فأنه ليس بمنأى عن هذا الواقع خصوصا عند الكثير من خريجي الدورات السريعة فأنهم غير مؤهلين لقيادة جيل والخروج منه بمخرجات تعليمية حقيقية.
وبعد استعراض كل ذلك اعتقد انه من السهل الاجابة على السؤال اعلاه ؛ ماذا لو خُير الشباب العراقي وهل سيأتي يوم على الشباب العراقي ليعيشوا فيه واقع حقيقي نظيف باطنا وظاهرا يساهمون فيه ببناء البلد ويجدون فيه من يقدر طاقاتهم وجهودهم . نسأل الله ان يرينا ذلك حقيقة.
*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز