كَثُرَ الحديث في هذه الأيَّام عن التغيير الديموغرافي الحاصل في بعض الدول العربية خاصة في العراق وسوريا …. لننظر للتغيير الديمغرافي الذي حدث في العراق اولاً. …. أنَّ هذا التغيير ليس الأوّل من نوعه ولن يكون الأخير، فهناك أمثلةٌ كثيرةٌ مِنَ العالم عن تغييرات ديموغرافية تم فرضها على عدد من الشعوب والدُّول أدَت إلى إبادة وتشريد وتهجير الملايين من الناس وفقـاً لتبعيتهم السّياسية والقوميّة والدّينية، ولعلَّ أوّل و أعظم هذه التغييرات في هذا القرن ، ما جرى في العراق بعد الاحتلال الامريكي عام ٢٠٠٣ ، و قد تم هذا وفقاً لمنظوره بأنّ الغاية تبرر الوسيلة، علماً أنّ مثل هذه الاعمال التي تهدف إلى إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسّكان من الأرض التي يقيمون عليها جريمة من جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانيه ، حيث كانت البدايه ما حدث لأحواز العراق التي تعرضت لحملة شرسة من إيران لمحوها والقضاء على هويتها العربيه المسلمة …
– بعد عام ٢٠٠٣ و تولي السياسيين المرتبطين بأجندات خارجية عديدة ودول اقليمية محيطة بالعراق الحكم … فإنّ تلك الظاهرة المتمثلة بالاحزاب و التنظيمات والتي حملت اسماء ذات طابعي مذهبي وطائفي والتي انتشرت في تلك الفترة في العراق ، ما هو إلاّ الشكل الأكثر وضوحاً من التغيير الديموغرافي الذي اشتدت وتيرته مع مجيء الأحزاب الطائفيه إلى السلطة عام ٢٠٠٣ والأهم فيها قيام الإيرانيين بشراء أراضٍ وعقارات واستئجار أخرى بالقرب من “المزارات الشيعية ، ومراقد الائمة الاطهار عليهم السلام ….و نشطت الحكومات المتعاقبه في العراق على استقدام المواطنين والتجار الإيرانيين ودفعهم لتملك العقارات في محيط الاماكن و المناطق ذات البعد الطائفي و المذهبي ….
– ثم أخذوا بالتوسع في هذه الأنشطة و تنشيط العمران في محيط تلك الاماكن و القيام بأنشطة اقتصادية واستحداث مكاتب لاستقطاب هؤلاء الاشخاص حيث تحولت العديد من المناطق من هوية الى اخرى.
و نود هنا تنبيه القارئ ان الامر ليس استذكاراً للطائفية المقيتة التي عانى منها الشعب العراقي بمختلف اطيافه ولكن من باب لفت انتباه الشعب إلى احد الكوارث التي جاءت بها الاحزاب السياسية خلال ١٧ عاما مضت.
– ولم يكن التهجير بحق السنة او الشيعة فقط حيث تم الضغط على، المسيحيين في قلب العاصمة بغداد والموصل ومناطق عديدة في العراق ، و تم إجبارهم على الخروج من المنطقة كما جرى الاستيلاء على البيوت التي خرج منها سكانها لسبب، أو آخر و إحلال آخرين مكانهم في إطار التغيير الديموغرافي للمنطقة، و قد تم تغيير التركيبة السكانية لمدن بأكملها استغلالاً للفقر وللجهل ، وبالضغط والتهديد والقتل والخطف والارهاب وغيرها الكثير مع محاولات كثيره في مناطق مختلفه ، خاصة مناطق شمال بغداد وحزام بغداد ، واللطيفيه واليوسفية وجرف الصخر التي تم تهجيرها بالكامل وتدميرها واقامة بها مناطق تابعه للمليشيات الطائفيه بمختلف توجهاتها وخصوصاً ذات الولاء المطلق لإيران ….
-وينذر استمرار نزوح الأقليات في العراق من مناطقها الأصلية وخصوصاً بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية داعش عليها بمخاطر جمة، منها مخاطر صحية نتيجة سكن النازحين في أماكن لا تصلح للعيش البشري، ومخاطر نفسية ناجمة عن حجم الرعب والخوف الذي عاشه النازحون بسبب بطش عناصر داعش، ومنها ما يتعلق بترك أعداد كبيرة من الأطفال مقاعد الدراسة، إضافة إلى ما يحمله ذلك من تداعيات مخيفة على التعايش السلمي ومستقبل العراق برمته.
– ولأول مرة نرى في العراق مناطق أصبحت من طيف واحد ومناطق أخرى أصبحت من الطيف الأخر، وكأننا نعيش في عصر لا يمت للحداثة بصلة، ومن المؤسف أن نجد في عصر العلم والحداثة والتطور انكفاء المجتمع العراقي الذي كان احد النماذج الحقيقية للتعايش والسلم الأهلي، وكان العراق من أوائل المجتمعات المتحضرة في منطقة الشرق الأوسط، وكان يضم مسلمين ويهودا ومسيحيين وصابئة وايزيديين وعرب وأكرادا وتركمان وهلم جرا، وقد يكون صحيحاً انه كانت تحدث مشكلات بين فترة وأخرى إلا إن الصحيح أيضا هو إن نمط التعايش وقبول الأخر هو السائد، وكانت ابرز مشكلة هي المسألة الكردية التي واكبت جميع نظم الحكم المختلفة في العراق منذ التأسيس …
-لقد دعم بعض السياسيين الداعين إلى الانفصال التغيير في التركيبة السكانية، لأن بعض المحافظات أصبحت تضم لوناً واحداً من الطيف العراقي مثل الأنبار والموصل، ويوضح هذا أن التعايش بين المكونات العراقية أصبح ينكسر لصالح أجندات وأفكار تدعو إلى التقسيم وإلى نبذ الآخر والدفاع عن المكون وليس الوطن، ويعتبر الأكراد أكثر “القوميات” استفادة من التغيير الديموغرافي، بعدما وضعوا أيديهم على العديد من المناطق في محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى، إضافة إلى سيطرتهم الكاملة على محافظة كركوك بعد العاشر من حزيران الماضي، وهي قد تكون أمور تمهيدية لإعلان “الدولة الكردية …
وللقارئ العراقي المهتم بأمر البلد وبمستقبله فأن الكلام بهذا الامر قد يجده البعض تذكيرا بجراح قديمة انهكت جسد الشعب العراقي على مدى ١٧ عاماً وعانى منها الشعب الأمرين الإ انه من الواجب ذكرها وذلك كي لاينسى الشعب العراقي
ما جعلته الأحزاب السياسية واجنداتها يعانيه على مدى عقدين تقريباً
وعزاؤنا في كل ما حدث ويحدث هو وعي الشباب العراقي الذي نبذ الطائفية ونبذ المتحدثين بها والمروجين لها ووقف وقفة جادة في وجه هذا المشروع القذر الذي سعى لتدمير النسيج العراقي ونسف هوية مواطنيه….
*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز