في خطاب تنصيبه في 20 كانون الثاني/يناير، أعلن الرئيس الأميركي السابع والأربعون دونالد ترامب إلى جانب إعلانه عن إصلاحات سياسية بعيدة المدى، أنه يود أن يترك إرثه”رجل سلام”. وحتى قبل أداء اليمين، تعهد ترامب بوقف الصراع في غزة والحرب بين أوكرانيا وروسيا. وقبل توليه منصبه، كان ترامب قد توسط في اتفاق سلام مؤقت بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النارفي غزة وعودة الرهائن من كلا الجانبين، وتبشر سياسة منع النزاعات هذه بالخير للسلام العالمي، ولكن هناك أيضاً مسألة استدامة مبادرات السلام وبوادر الصراع المستقبلي والتي تشكل التحدي الحقيقة القادم.
وقد أطلق الرئيس دونالد ترامب في خطابه السياسي، سلسلة من السياسات الحازمة في الشرق الأوسط، بهدف إعادة تشكيل المشهدالجيوسياسي في المنطقة. وقد أثارت هذه الاستراتيجيات جدلًا كبيرًاوقلقًا كبيرًا بين الأطراف الدولية المعنية. وفيما يلي المبادرات السياسيةالبارزة للإدارة الأمريكية الجديدة :
مقترح الاستيلاء على قطاع غزة
و الذي يعد من أكثر المبادرات إثارة للجدل والذي جاء بعد اقتراح الرئيس ترامب بأن”تستولي” الولايات المتحدة على قطاع غزة. وتتمثل الخطة، التي كُشِف عنها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 شباط/فبراير 2025، نقل نحو مليوني فلسطيني إلى دول مجاورة، تليها إعادة تطوير غزة لتصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”. ولم يستبعد ترامب استخدام القوات العسكرية الأمريكيةلتحقيق هذا الهدف. وقد واجه الاقتراح إدانة واسعة النطاق. حيث وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه “تطهيرعرقي”، في حين رفض قادة مصر والأردن ودول عربية أخرى الخطة،مؤكدين على أن هذا المقترح سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر. بطبيعة الحال أعرب نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيلكاتس عن دعمهما لهذه المبادرة، معتبرينها حلًا نهائيًا للمخاوف الأمنيةالمستمرة. ومن المحتمل جدًا أن يكون ذلك مجرد خطاب سياسي لإجبار الدول العربية على بناء المستوطنات في قطاع غزة الممزق ومن ثم إسناد السيطرة النهائية عليه لإسرائيل!
الموقف من إيران
كثفت إدارة ترامب أيضًا تركيزها على طموحات إيران النووية وتطلعاتها بشأن فرض واقع لا مفر منه في المنطقة والعالم فيما يتعلق بسعيها للحصول على سلاح نووي استراتيجي، حيث يسعى رئيس الوزراء نتنياهو بنشاط للحصول على دعم الولايات المتحدة لعمل عسكري محتمل ضد المواقع النووية الإيرانية، بهدف تحييد التهديدات المتصورة، والقضاء على حلم ايران النووي ،في حين أظهر الرئيس ترامب تفضيله للتفاوض على اتفاق جديد غير نووي مع إيران، إلا أنه لم يستبعد إمكانية التدخل العسكري. وتطالب الولايات المتحدة بأن تتخلى إيران تمامًا عن برنامجها النووي قبل بدء أي مفاوضات. أما تصريح نتنياهوالأخير بـ”إنهاء اللعبة مع إيران” فهو تهديد مبطن بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
التداعيات وردود الفعل الإقليمية
من الطبيعي حقيقةً ان يكون لهذه السياسات تداعيات عميقة على الشرق الأوسط و العالم على حد سواء فالاستيلاءالمقترح على غزة ينطوي على خطر إشعال المزيد من الصراع، حيث يمكن أن يؤدي نقل ملايين الفلسطينيين قسراً إلى اضطرابات واسعةالنطاق وأزمات إنسانية. وقد وحدت هذه الخطة بالفعل الدول العربيةفي معارضتها، حيث يتعاون قادة المملكة العربية السعودية ومصروالأردن والإمارات العربية المتحدة لصياغة بديل قابل للتطبيق يعالج حق الفلسطينيين في تقرير المصير والأمن الإقليمي.
فيما يتعلق بإيران، فإن احتمال القيام بعمل عسكري مدعوم من الولايات المتحدة يزيد من حدة التوترات ويمكن أن يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً. ويحذر المحللون من أن نافذة الحلول الدبلوماسيةتضيق مع استمرار إيران في تطوير قدراتها النووية. ولا يزال المجتمع الدولي منقسمًا، حيث يدعو البعض إلى استئناف المفاوضات ويدعم آخرون نهجًا أكثر تشددًا.
سياسة إدارة ترامب المحتملة في سوريا والعراق
هناك عدة عوامل تستلزم استمرار انخراط الولايات المتحدة في سوريا، لا سيما الحاجة إلى إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد بعد خروج الأسد والاستفادة من تراجع النفوذ الإقليمي لكل من إيران وروسيا. ومن المرجح أن تركز إدارة ترامب في المرحلة المقبلة على ثلاثةجوانب رئيسية في القضية السورية: العقوبات، والوضع في جنوب سوريا، والتطورات في الجزء الشرقي من البلاد، حيث تتصاعدالتوترات بين حلفاء واشنطن – خاصة بين الأكراد وتركيا من جهةوإسرائيل وتركيا من جهة أخرى..
في سياق العراق
من المحتمل أن تتبنى إدارة ترامب جهودًا أمريكية أكثر حزمًا في مواجهة النفوذ الإيراني. فالولايات المتحدة لاتحتاج إلى قوات على الأرض من أجل هذا النوع من التحركات. العراق معرض بشكل كبير لسياسة إنفاذ العقوبات المكثفة التي يمكن أن تستند إلى مجموعة متزايدة من الأدلة بشأن استخدام إيران للبنوك العراقية للحصول على الدولار الأمريكي وبشأن إساءة استخدام قطاع النفط العراقي لجني الأموال للميليشيات المدعومة من إيران للتهرب من العقوبات المفروضة على النفط الخام الإيراني. إن العراق الغني بالنفط في التصور الأمريكي هو “بقرة حلوب” لكل محورالمقاومة خارج إيران مع تزاحم حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن إلى جانب الميليشيات العراقية للحصول على حصتهم!
الحليف الرئيسي – المملكة العربية السعودية
كانت أول زيارة خارجية قام بها الرئيس ترامب في ولايته الأولى إلى المملكة العربية السعودية كمقابل لاستثمارات سعودية تزيد عن 400 مليار دولار. وكان ترامب قد أعلن في خطاب تنصيبه أنه سيكرر ذلك مقابل استثمارات سعودية كبيرة. وقد استجاب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإعلانه عن استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وفي المقابل اختارت إدارة ترامب الرياض مكانًا للمحادثات الأمريكية الروسية بشأن الحرب الأوكرانية، مستفيدةً أيضًامن العلاقات السعودية الجيدة مع روسيا.
من أكثر الإنجازات المحتملة التي يرغب السيد ترامب في تحقيقها خلال زيارته المرتقبة هو التوصل إلى اتفاق سلام بين السعوديةوإسرائيل، وهو ما سيكون تتويجًا لاتفاقات إبراهيم التي بدأها في ولايته الأولى. وقد تشكل الحرب في غزة وما تلاها من رفض السعودية لخطة ترامب لإخراج الفلسطينيين من غزة عائقاً أمام ذلك. وقد يرفع هذا العامل من الثمن الذي قد تطلبه السعودية من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. وقد ينتهز محمد بن سلمان هذه الفرصة لتحسين المكانة الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية في المشهد العالمي وصورتهالشخصية كـ”صانع سلام“. وفي المستقبل المنظور، ستحافظ إدارة ترامب على شراكتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعوديةوكمدافع عن سياساتها في الشرق الأوسط.
الخلاصة
خلاصة القول، تعكس سياسات إدارة ترامب في الشرق الأوسط لعام 2025 تحولًا استراتيجيًا نحو التدخل العدواني ربما دون إشعال صراع كبير، وفي حين أن هذه المقاربات تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الأمريكية، إلا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة تتمثل في تصعيد الصراعات وتقويض العلاقات الدبلوماسية. وسيعتمد تأثير هذه السياسات على المدى الطويل على تنفيذها وردودفعل الأطراف الإقليمية الفاعلة، لا سيما حلفاء الولايات المتحدةوالمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً.