1.في بداية عام 2023، أعلن المفكرون والمحللون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم أنه سيكون هناك تحول في المصالح الاستراتيجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى منطقة آسياوالمحيط الهادئ وذلك بسبب انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط ،وقد ساهم العامل الصيني وزيادة التنافس بين الولايات المتحدةوالصين، بالإضافة إلى مصادر الطاقة البديلة، في التوصل إلى هذا الاستنتاج.
وفي غضون بضعة أشهر ثبت كذب هذه الأسطورة بعد هجوم غير مسبوق شنته حماس داخل الأراضي الإسرائيلية الأمر الذي تبعه انتقام إسرائيلي واسع النطاق ولا يزال الصراع مستمرا حتى يومنا بل وتوسع هذا الصراع حتى شمل بعض البلدان الأخرى في الإقليم. ومناطق اخرى عبر القارات تشمل أجزاء من أوراسيا وأفريقيا،
الجدير بالذكر ان الشرق الأوسط يضم 17 دولة تشترك في عدة عوامل مثل المجموعات العرقية والميزات الجغرافية والمعتقدات الدينية والثقافية،
الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمنطقة الشرق الاوسط على مفترق طرق القارات جعلها ساحة معركة للإمبراطوريات والأديان والأيديولوجيات. ونتيجة لذلك، احتدمت الصراعات في الشرق الأوسط لقرون شكلت الحدود والسياسةوالثقافة وحياة الملايين. وقد يكون من المناسب فهم نشأة الصراعات المختلفة في السياق التاريخي لفهم طبيعة الأزمات الحالية.
 
المنظور التاريخي:
 

  1. يعود تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط إلى العصور القديمة،التي تميزت بصعود وسقوط الإمبراطوريات الجبارة مثل البابليين والفرس واليونانيين والرومان، حيث تركت هذه الحضارات القوية وراءها إرثًا من الغزوات والاستيعاب والتبادل الثقافي. وقد أرست الحدود المتغيرة لهذه الإمبراطوريات الأساس للمنافسات الجيوسياسيةالحديثة والنزاعات الإقليمية. لقد لعب الدين بطبيعة الحال دورًا رئيسيًا في تشكيل مشهد الصراعات في الشرق الأوسط و أدى بزوغ فجر الإسلام في القرن السابع إلى حقبة جديدة من الفتوحات والتوسع، حيث انتشرت الجيوش الإسلامية في المنطقة وأقامت امارات  واسعة ونشرت الحضارةالإسلامية. وبطبيعة الحال وكأي قوة ناشئة ادى التوسع الاسلامي الى انقسامات عديدة بين المسلمين انفسهم على اسس طائفية واحيانا عقائدية بدأت منذ الفترات الاولى وتبلورت بأشكال مختلفة حتى وصلت الى يومنا هذا.
     
  2. شهد القرنان التاسع عشر والعشرين ظهور القوى الاستعماريةالأوروبية في الشرق الأوسط، حيث ضعفت الإمبراطورية العثمانية وانهارت. وتقاسمت بريطانيا وفرنسا المنطقة من خلال معاهدة سرية في زمن الحرب، وهي اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916، حيث رسمت حدودًا تعسفية تجاهلت الحقائق العرقية والدينية والقبلية. لقد زرع هذاالإرث الاستعماري بذور الصراعات المستقبلية، مما أدى إلى إنشاء أمم مصطنعة وإذكاء الحركات القومية.
    خلال الحرب الباردة، أصبح الشرق الأوسط ساحة معركة للتنافس بين القوى العظمى، حيث تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على النفوذ والسيطرة. أدت الصراعات بالوكالة، مثل الحرب الإيرانيةالعراقية والغزو السوفييتي لأفغانستان، إلى زيادة زعزعة استقرارالمنطقة، مما أدى إلى تفاقم التوترات العرقية والدينية والطائفية. ولايزال إرث هذه الصراعات يشكل المشهد السياسي في الشرق الاوسط حتى يومنا هذا.
     
  3. يظل إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948 أحد أكثر القضايا إثارةللجدل في الشرق الأوسط. فلقد أدى الصراع العربي الإسرائيلي،الذي نشأ من المطالبات المتبادلة بالأرض، إلى عقود من الحروب والتشريد والمعاناة للفلسطينيين على وجه الخصوص. وكان للفشل في حل هذا الصراع آثار بعيدة المدى على الاستقرار الاقليمي في المنطقة.
     
    الربيع العربي في  2011-2012 : ساهمت سلسلة من الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي يُزعم أن إسرائيل ارتكبتها بالتنسيق مع الغرب في تفاقم العنف وعدم الاستقرار والحرب الأهلية في دول مثل سوريا وليبيا واليمن .و لقد أدى فشل الديمقراطيات الناشئة في ترسيخ جذورها إلى خلق فراغ في السلطة استغلته الجماعات المتطرفةوالقوى الإقليمية.
    لا تزال منطقة الشرق الأوسط الحالية منطقة متقلبة ومعقدة، وتواجه عدد لا يحصى من التحديات، بما في ذلك الإرهاب والطائفيةوالاستبداد والتدخلات الأجنبية. وكان تدخل الولايات المتحدة في حربالخليج عام 1991 سبباً في تفاقم زعزعة استقرار المنطقة وفشلها فيبناء نظام أمني إقليمي دائم. وفي عام 2003، غزت الولايات المتحدةوتحالفها العراق، متهمة صدام حسين بتطوير أسلحة الدمار الشامل،وهو الأمر الذي نفاه لاحقا وزير الخارجية الأمريكي آنذاك الجنرال كولن باول. وقد أدى صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وحزب الله والحوثيين في اليمن إلى خلق المزيد من التهديدات للأمن والاستقرار الإقليميين.
  4. الصراع السعودي الإيراني:
    تعود جذور الصراع بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعوديةإلى عام 1932، بدءاً من حكم الملك سعود، الذي ادعى أنه الممثل الإسلامي للعقيدة الوهابية السنية وحارس المدن المقدسة . ومن ناحيةأخرى، تصف إيران نفسها بعد الثورة الإيرانية عام 1979 بأنها حامية الإسلام الشيعي، كان هذا بمثابة بداية الصراع بالوكالة لأنه قوض صورة المملكة العربية السعودية كزعيم للعالم الإسلامي. تطور مهم آخر في عام 1979 كان الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة حيثاحتج المتمردون المتطرفون على تغريب النظام الملكي وطالبوا بالإطاحةبآل سعود. وعلى الرغم من أن الأزمة طغت عليها الدولة، إلا أن النظام الملكي استجاب لمطالبهم بسياسات أسلمة أكثر صرامة لإعادةتأسيس شرعيته الإسلامية. وأدى ذلك إلى مزيد من الخلافات بينالمملكة العربية السعودية وإيران والتطلعات لنشر نسخة خاصة من الإسلام في مختلف الدول لإنشاء كتل متشابهة.

الصراعات الجارية :

  1. قرب فجر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت حركة حماس المسلحة هجومًا من غزة على إسرائيل.
    وكإجراء وقائي، تم استخدام طائرات بدون طيار لتدمير محطات المراقبة الإسرائيلية، أعقبها وابل من الصواريخ. وبعد ذلك تسلل مقاتلو حماس إلى جنوب إسرائيل. وفي غضون ساعات طويلة من الحرب المعلنة، قتلت حماس وغيرها من الجماعات المتمركزة في غزة ما يصل إلى 1200 من أفراد الأمن والمدنيين وأخذت أكثر من 250 رهينة إلى غزة. رداً على ذلك، أعلنت إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، الحرب على حماس وبدأت حملة من الغارات الجوية، وهو القصف الذي سيكون من بين الأعنف، تلته حملة بريةأسفرت عن مقتل أكثر من 50.000 ألف من سكان غزة على مدارالعام. كما انضم حزب الله، وهو جماعة لبنانية مسلحة تدعمها إيران، إلى الصراع، مما دفع إسرائيل إلى شن غارات جوية ضد مواقعها. وقام آخرون في شبكة الجماعات المسلحة الإيرانية، ولا سيماالحوثيون في اليمن، بتعطيل الشحن العالمي من خلال مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل.
     
  2. في 1 أبريل 2024، هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية مجمعا لسفارة الإيرانية في العاصمة دمشق، مما أسفر عن مقتل ثلاثة ضباط كبار على الأقل، من بينهم العميد زاهدي وأربعة ضباط يشرفون على العمليات السرية الإيرانية في الشرق الأوسط. وبعدحوالي أسبوعين، رداً على ذلك، أطلقت إيران أكثر من 300 طائرةمسيرة وصاروخاً على إسرائيل، وهي المرة الأولى التي تهاجم فيهاالبلاد بشكل مباشر. توقيت وشدة هذا الهجوم كانت معروفة بالفعل للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء آخرين، مما أدى إلى اعتراض جميع المقذوفات. كما اعترضت السعودية والأردن صواريخ إيرانية تحلق فوق مجالهما الجوي باتجاه إسرائيل. وتجلى الانتقام الإسرائيلي، رغم أنه محدود، في ضرب نظام الدفاع الإيراني بالقرب من نطنز، وهي مدينةذات أهمية حيوية لبرنامج الأسلحة النووية في البلاد. وعلى الرغم من أن هذه الضربات المباشرة بين إيران وإسرائيل تمثل صعودًا على سلم التصعيد، إلا أنها تتناسب مع إطار الردع الطويل الأمد بين الطرفين المتحاربين.
     
  3. قامت إسرائيل، في عرض لأفظع الأعمال اللاإنسانية، بتفجير آلاف أجهزة النداء التي يديرها أعضاء حزب الله في لبنان، في 17 سبتمبر2024. قُتل ما لا يقل عن 12 شخصًا وجُرح 2700. وفي اليوم التالي انفجرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي في لبنان، مما أسفر عن مقتل 20 شخصًا وإصابة ما يقرب من ألف آخرين، مما أدى إلى شلل كامل في اتصالات حزب الله.
    استمرت هذه الحملة ضد حزب الله بمقتل زعيمه حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية في 27 سبتمبر/أيلول على مبنى سكني جنوب بيروت. واجهت إيران في خضم هذه الاحداث ضغوط شديدة من وكلائهاالمسلحين وصرخات محلية للانتقام لمقتل هنية في طهران ونصر الله،ردت في 1 أكتوبر بإطلاق 180 صاروخًا باليستيًا على إسرائيل. وتم إحباط معظم الهجمات بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدةالولايات المتحدة. وعلى عكس الضربة السابقة في أبريل/نيسان، كان هناك حد أدنى من البرقيات من إيران حول قرارها بشن هجوم مباشر آخر على الأراضي الإسرائيلية. وكانت إسرائيل قد تعهدت بالرد، لكن ما زال ينتظر تنفيذه وتوقيته. والسؤال الرئيسي هو مدى شدتهاوتداعياتها المحتملة، سواء داخل إيران من حيث التغييرات في سياسةالأمن النووي أو عبر المنطقة الأوسع. وكشفت مصادر غير مؤكدة أن الإدارة الأميركية تبذل جهوداً لإقناع إسرائيل بعدم مهاجمة المواقع النووية أو النفطية الإيرانية بل الأهداف العسكرية فقط.
     
    السيناريوهات المحتملة للحرب بين إسرائيل وحماس :
     
  4. بما أن الحرب بين إسرائيل وحماس مستمرة منذ أكثر من عام، فإن احتمالات السلام تبدو أقل على ارض الواقع من أي وقت مضى. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة من قبل الولايات المتحدة ومصر وقطر للتفاوض على وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الرهائن، فإن الصراع في غزةلا يزال دون حل وينتشر الآن في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث نجد انفسنا اليوم امام خطر حقيقي يتمثل في اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. وبالرغم من أن معظم الضربات التي شنها الجانبان كانت داخل منطقة ضيقة نسبياً على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإن طبيعة الحرب المحدودة بين حزب الله وإيران وإسرائيل تتغير بسرعة. و نرى اليوم تصعيدا إسرائيليا من حيث عددالضربات وأعماق استهدافها.
     
    كما قام حزب الله أيضاً بزيادة ضرباته، وإن كان ذلك بطريقة محدودةللغاية مقارنة بإسرائيل. وأصبحت إيران متورطة بشكل مباشر ف الصراع من خلال إطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل.
    قد تنجح الهجمات الإسرائيلية في إجبار حزب الله على قبول وقف إطلاق النار وإبعاد القوات عن الحدود، أو قد تضعف بشكل كبير قدرات حزب الله على ضرب إسرائيل. ومع ذلك، إذا فشلت المفاوضات في إنشاء منطقةعازلة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإن هناك تهديداً بالحربي لوح في الأفق. يمكن أن يؤدي تصعيد الصراع إلى خسائر كبيرة لكلا من حزب الله والجيش الإسرائيلي، ويعرض المدنيين الإسرائيليين في جميع أنحاء البلاد للخطر، ويؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا اللبنانيين وانتشار الصراع إلى إيران وسوريا والعراق واليمن ودول أخرى. ان الأهداف الإسرائيلية المعلنة ضد حزب الله هي بالأساس؛ أولاً، كبح تهديد حزب الله لإسرائيل من خلال إضعاف قدراته العسكرية بشكل كبير ، بمافي ذلك نزع سلاح وحدات كاملة من قوة الرضوان. والهدف الإسرائيلي الثاني هو إعادة توطين السكان النازحين داخلياً في موطنهم في شمال إسرائيل. وهذا غير ممكن من دون تحسين المعاييرالأمنية من خلال إخضاع حزب الله في جنوب لبنان.
     
  5. وفي ضوء تصاعد العنف، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمزيدمن التصعيد: غزو بري إسرائيلي، وحرب جوية إسرائيلية قسرية،وتصعيد كبير من جانب حزب الله. وقد تقوم إسرائيل بتوغل بري كبير ومستمر في جنوب لبنان لدفع قوات حزب الله بعيداً عن الحدودالإسرائيلية اللبنانية. والهدف الأساسي من ذلك هو إعادة إنشاءمنطقة عازلة مماثلة لتلك التي احتفظت بها إسرائيل من عام 1985 إلى عام 2000، عندما أدى الوزن التراكمي لهجمات حزب الله إلى انسحاب إسرائيل. وإذا نجحت هذه العملية، فقد تقلل من خطر غزو مماثل لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من لبنان وتقلل من خطرضربات حزب الله من أنظمة قصيرة المدى إلى إسرائيل. وقد تتطلب هذه العمليات أعداداً كبيرة من القوات البرية الإسرائيلية، وهو ما قديشكل اقتراحاً صعباً نظراً للحرب المستمرة في غزة منذ أكثر من عام. وسوف تكون التكلفة القصيرة والطويلة الأجل لمثل هذه العملية كبيرة. وسوف يفرض اعتماد الجيش الإسرائيلي على الاحتياط عبئاً إضافياًعلى المجتمع.إن احتمالات وقوع خسائر بشرية فادحة بسبب مقاتلي حزب الله المهرة والحماسيين، وربما وقوع أسرى من العسكريين بايدي حزب الله أيضا .
     
    فضلاً عن ذلك فإن الغزو البري قد يؤدي إلى إطلاق حزب الله لهجوم صاروخي أكثر ضخامة على عمق إسرائيل. وسوف يكون الضرر الذي قد يلحق بلبنان أشد كثيراً إذا استهدفت القوات الإسرائيلية البنيةالأساسية لحزب الله ومقاتليه في مختلف أنحاء البلاد. وقد يؤدي هذاإلى نزوح مئات الآلاف من اللبنانيين. ثم هناك عامل إيران الذي قد يدعم حزب الله ويعيد تسليحه علناً. وسوف يستفز أي عمل عدواني من جانب إسرائيل بعد تاريخها من الفظائع في غزة ردود فعل دولية عنيفة وإدانة دولية. ونظراً لهذه المخاطر، فقد تستخدم إسرائيل غزواً برياًمحدوداً مدعوماً بحملة جوية عنيفة  لإضعاف قدرات حزب الله بشكل كبير، وتدمير البنية الأساسية في الجنوب، وسحب قواتها إلى إسرائيل، والتهديد بالتصعيد إذا استمر حزب الله في هجماته.
     
  6. السيناريوهان الآخران قد يكونان حرباً بالقوة الجوية وانتقاماًهائلاً من جانب حزب الله بمساعدة إيران :
    قد تشن إسرائيل حملة جوية واسعة النطاق مستمرة ضد حزب الله وإيران والجماعات التي تدعمها إيران. وفي مثل هذا الخيار، قد تهاجم الطائرات المأهولة والطائرات بدون طيار حزب الله ومواقع الصواريخ والقذائف الأخرى، ومخازن الذخيرة، ومراكز القيادةوالسيطرة، والقيادات، فضلاً عن اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية. وعلى النقيض من العمليات الحالية، قد يتم شن المزيد من الهجمات خارج منطقة الحدود، وخاصة في المناطق الشيعية في بيروت ووادي البقاع. وستكون مثل هذه العملية أقل خطورة بكثير مقارنة بالهجوم البري. وإذا نجحت، فإن الهجوم الجوي القسري من شأنه أن يشل قدرات حزب الله وقيادته ويؤخر قدرته على الاستعانة بكامل قوة المنظمة للرد على إسرائيل. وفي كل الأحوال، سوف يعاني السكان المدنيين اللبنانيين بشكل كبير بسبب الأضرار الجانبية الناجمة عن استهداف مرافق حزب الله التي تقع في الغالب بالقرب من المواقع المدنية. وقديكون لهذا أيضاً تداعيات دولية شديدة وإدانة شديدة نظراً للعنف الإسرائيلي الذي شهده العالم ضد السكان المدنيين في غزة. من خلال عدم استخدام القوات البرية، ستكون إسرائيل أقل فعالية في اكتشاف مقاتلي حزب الله بالقرب من الحدود الذين قد يختبئون تحت الأرض أو بين المدنيين. من المرجح أن تستغرق الحملة الجوية وقتًا أطول من الهجوم البري وقدتستمر لأسابيع أو حتى أشهر لتكون فعالة.
    في سيناريو آخر، قد يختار حزب الله وإيران تصعيد العمليات ضد إسرائيل بشكل كبير انطلاقا خطر تضرر مصداقية قادتهما والضغوط الداخلية الناشئة عن المعاملة اللاإنسانية في غزة ولبنان من قبل إسرائيل. قد يعتبر حزب الله أن عمليات إسرائيل ستكون بلا هوادةحتى لو لم يرد بشكل فعال وقد يفقد قدراته.
    نظرًا للموقف الداخلي للولايات المتحدة في أعقاب الانتخابات الرئاسيةوإدارة بايدن الضعيفة والتورط المباشر لإيران مع إسرائيل، يمكن لحزب الله وإيران إطلاق سرب متواصل من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على الأراضي الإسرائيلية. ستكون أهداف حزب الله سياسية وعسكرية.
    إن إجراء عمليات موثوقة ضد إسرائيل من شأنه أن يعوض بعض الضرر الذي لحق بسمعته من خلال الهجمات الاستخباراتية الإسرائيلية الناجحة، إلى جانب أن الخسائرالمدنية الإسرائيلية من شأنها أن تضعف موقف نتنياهو السياسي لمواصلة الحرب على العديد من الجبهات. إن المخاطر التي قد يتعرض لها حزب الله كثيرة، منها خسارة مقاتليه في الهجمات البرية، والمعاناة في لبنان من الرد الإسرائيلي وردود الفعل العنيفة المحتملة وإعاقة عملية التجنيد، إلخ. ومن المرجح أن يكون هجوم حزب الله بطائرة بدون طيار في 13 أكتوبر/تشرين الأول على قاعدة لقوات الجيش الإسرائيلي جنوب حيفا، والذي أسفر عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة 61 آخرين، جزءًا من محاولة لفرض تكاليف على إسرائيل في الوقت الذي يواجه فيه حزب الله تحديات عملياتية في جنوب لبنان. والهجوم جزء من حملة أوسع نطاقًا محتملة وصفها حزب الله بأنها تستهدف المواقع الخلفية لالقوات الإسرائيلية في شمال إسرائيل و”خطوط الدعم” كجزء من دفاعه ضد العمليات البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان. 
     
  7. إن الخيار الأكثر استحسانا للسلام العالمي وإنهاء المعاناةالإنسانية، وخاصة في الشرق الأوسط الممزق بالصراع، هو التخفيف من حدة الحرب وإنهاء أزمة غزة والمواجهات بين إسرائيل وإيران وحزب الله. وقد انخرطت الولايات المتحدة في دبلوماسية مستمرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، رغم أنها لم تفعل الكثير للضغط على إسرائيل لإنهاء فظائعها في غزة. ورغم فشل الجهودالأمريكية بشكل واضح، إلا أنها أقنعت إسرائيل إلى حد ما بعدم شنضربة استباقية على حزب الله في الأيام التي أعقبت هجوم أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك، نجحت الولايات المتحدة من خلال الدبلوماسيةالضمنية واستخدام التهديدات بالعقوبات في ثني إيران عن زيادة دورها المباشر وقد تكون عاملاً في قرار حزب الله حتى الآن بعدم التصعيد إلى حرب شاملة. إن تأثير الولايات المتحدة على إيران من الخلف واضح من حقيقة أنه في أبريل 2024، تلقت إسرائيل والولايات المتحدة تحذيرًا مسبقًا قبل 72 ساعة من هجمات الطائرات بدون طيار الإيرانية. وبعد هذا الهجوم، أصدرت الولايات المتحدة بياناً مفاده أن إيران لن تصعد من أعمالها، ودعت إسرائيل إلى الحد من ردها ضد إيران. لقد فقد دور الولايات المتحدة كوسيط سلام موثوق أهميته بسبب نهجها الحزبي لصالح إسرائيل. فحتى مع دفع الولايات المتحدة نحو التوصل إلى تسوية دبلوماسية، فقد قدمت الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، بما في ذلك استخدام أصولها البحرية والجوية لردع أي تدخل خارجي. كما قدمت روسيا دعماً عسكرياً واسع النطاق لإيران ونظام الدفاع الجوي إس-300، لكنها تبدو مترددة في تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لها في الحرب ضد إسرائيل. والسبب الرئيسي هو استعداد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مؤخراً لعدم نشر صواريخ بعيدة المدى في أوكرانيا. ولا تزال الصين غيرمهتمة بالتطورات في الشرق الأوسط وتظل تركز على التجارة الثنائية مع معظم دول الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل. وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، بذلت مصر وقطر أيضاً جهوداً دبلوماسية لإنهاءالحرب في غزة وإحداث وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله،دون أي نتائج. وعلى الرغم من هذه المبادرات الدبلوماسية، فإن تحقيق وقف إطلاق نار دائم سيكون صعباً. كان هجوم حماس في السابع من أكتوبر حدثًا تاريخيًا لحكومة إسرائيل وشعبها، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن في البلاد. وأفضل ما قد يتمكن المفاوضون من تحقيقه هو إدارة تصعيد العنف ومنع حرب شاملة تدمر جزءًا كبيرًا من لبنان وتمتد إلى سوريا والعراق واليمن ودول أخرى.
     
    عواقب الصراعات بين إسرائيل وحماس / إيران / حزب الله على المنطقة:
  8. لقد غيرت هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول والرد الإسرائيلي الهائل الذي لا يزال مستمرا بلا هوادة من طبيعةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى حد كبير. فمن ناحية، في حين تم احتواء المواجهة المباشرة بين طهران وأقرب حلفائها مثل حزب الله والحوثيين في اليمن والمسلحين الموالين لإيران في سوريا والعراق في الوقت الحالي، فلا يوجد ما يضمن أن الوضع لن يتطور إلى صراع كبير في الأيام المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال سلامة الشحن في البحر الأحمر مهددة من قبل الحوثيين وقد تؤدي إلى تعطيل التجارة العالمية. وقد يكون لهذا تداعيات على المستوى الإقليمي، لأن هذاالشريان الحيوي لمصر مهم للغاية أيضًا للمملكة العربية السعوديةوالأردن. وقد يكون للأحداث الأخيرة أيضًا آثار على العلاقات السعودية الإيرانية التي تم استعادتها مؤخرًا من خلال اختراق دبلوماسي كبير من قبل الصين. رسميًا لم يتم التشكيك في أي شيء ولكن الدعم الإيراني للحوثيين يظل مصدر قلق رئيسي للسعودية. إن الحوثيين بقدراتهم الباليستية القوية يشكلون تهديدًا ليس فقط للشحن في البحر الأحمر ولكن أيضًا لمنشآت النفط السعودية. أما بالنسبةلمصر، فإن المخاطر مختلفة تمامًا. فالملاحة عبر قناة السويس هي أحدالمصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في البلاد. ففي العام الماضي فقط،حققت 8 مليارات يورو من الإيرادات. ومن شأن إغلاق القناة أو تحويل الشحن على المدى الطويل أن يكون كارثيًا لاقتصادها الهش بالفعل. كما أثر سقوط طائرة بدون طيار في مدينة دهب السياحية بالقرب منالحدود مع الأردن في ديسمبر 2023، والتي أطلقها الحوثيون على الأرجح، على الإيرادات الناتجة عن السياحة. ونتيجة لذلك، انضم وزيرا خارجية مصر والأردن لتنسيق إجراءاتهما.
     
  9. وعلى الجانب السوري، نفذت الأردن، التي كانت الراعي الرئيسي لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023، عدة غارات جوية وتوغلات برية ضد عصابات المخدرات التابعة للميليشيات الموالية لإيران والمقربة من نظام بشار. والعلاقات بين البلدين متوترةللغاية وتوقفت كل الحوارات. وفي سوريا، أرسلت إسرائيل إشارة قوية إلى الإيرانيين بالقضاء على رضا موسوي، وهو ضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني مسؤول عن الخدمات اللوجستية وإمدادات الأسلحة والذخيرة إلى سوريا. وقد أدى غزو العراق عام 2003 من قبل القوات التي تقودها الولايات المتحدة إلى تقويض النظام الداخلي في البلاد وأدى، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء العديد من الميليشيات الموالية لإيران التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي. وقد تم إنشاء الميليشيات بهدف طرد القوات الأمريكية وقوات التحالف من العراق وترسيخ الدور الإيراني في البلاد. ومن أبرز هذه الميليشيات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وحركة النجباء. وتواصل هذه الجماعات استخدام نفوذها على الحكومات العراقية المتعاقبة لحمايةالمصالح الإيرانية. وتواصل إيران التنسيق مع القادة الإقليميين ووكلائهم قبل ضربة إسرائيلية متوقعة على إيران. وسافر وزيرالخارجية الإيراني إلى بغداد في 13 أكتوبر لمناقشة “الظروف الخاصة والخطيرة” في الشرق الأوسط مع كبار القادة العراقيين. وربما حذر المسؤولين العراقيين من السماح لإسرائيل باستخدامالمجال الجوي العراقي لمهاجمة إيران. ووصف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين استغلال (إسرائيل) للمجال الجوي العراقي بأنه غير مقبول على الإطلاق خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الإيراني. وأكد الرئيس العراقي عبد اللطيف الرشيد بشكل منفصل أن العراق”لن يكون أبدًا منصة إطلاق” لمهاجمة إيران خلال اجتماع مع وزيرالخارجية الإيراني الزائر. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الغربية، فمن المرجح أن إسرائيل استخدمت المجال الجوي العراقي لمهاجمة إيران في 18 أبريل ردًا على هجوم الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانيةفي 13 أبريل على إسرائيل. كما حذرت الحكومات العراقية السابقةإيران والولايات المتحدة من استخدام العراق كـ “منصة إطلاق” للصراع الإقليمي. ويبقى السؤال حول قدرة الحكومة العراقية على منع إسرائيل أو إيران أو الولايات المتحدة من انتهاك مجالها الجوي. وفي الواقع، فإن الحكومة في العراق غير قادرة حتى على منع الجماعات المدعومة من إيران من استخدام أراضيها لاستهداف القوات الأمريكيةوإسرائيل.
     
  10. إن إيران، التي تتوقع رداً إسرائيلياً على هجومها الصاروخي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، تجد نفسها عند مفترق طرق، وهي منخرطة في جهود دبلوماسية مع دول في الشرق الأوسط لقياس ماإذا كانت قادرة على الحد من رد إسرائيل أو ان هذه الجهود ستفشل في المساعدة في حماية ايران.
     
    وينبع قلق إيران من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إقناع إسرائيل بعدم ضرب المواقع النووية الإيرانيةوالمنشآت النفطية، وحقيقة أن حزب الله، جماعتها المسلحة الوكيلةالأكثر أهمية في المنطقة، قد ضعفت بشكل كبير بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة. وكانت الولايات المتحدةتتشاور مع إسرائيل حول كيفية تخطيطها للرد على هجوم إيران في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، وذكرت التقارير أنها أوضحت أنها لاتريد أن تستهدف إسرائيل المواقع النووية الإيرانية أو حقول النفط. كما أعرب حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، عن مخاوفهم للولايات المتحدة بشأن هجوم محتمل على منشآت النفط الإيرانية، والذي قد يخلق آثاراً اقتصادية وبيئية سلبية على المنطقة بأكملها. وتشعر الإدارة الأميركيةبقلق عميق من أن الهجمات المتبادلة المستمرة بين إسرائيل وإيرانوالتي بدأت هذا العام، قد تتحول إلى حرب كبرى تجر الولايات المتحدةإليها أيضاً. إن جزءًا كبيراً من المخاوف يتلخص في أن النفوذ الأميركي لدى إسرائيل بدأ يتضاءل على نحو مطرد على مدى العام الماضي. ففي غزة، تدهورت إسرائيل على نحو متزايد في دعوات الولايات المتحدة إلى تجنب معاناة المدنيين و دعواتها إلى ضبط النفس في لبنان. كما لم تتشاور إسرائيل مع الولايات المتحدة قبل تفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عملاء حزب الله في الشهرالماضي أو قبل اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله. ولم تتضح بعدمعالم الرد الإسرائيلي على إيران، ولكن إسرائيل لم تقدم أيضاً أي ضمانات بأنها لن تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. وتحرص دول الخليج عموماً على البقاء على هامش الصراع، في حين حذرت إيران علناً من أن أي طرف يُنظَر إليه باعتباره طرفاً معتدياً.
     
    الاستنتاجات
  11. خلال العقدين الماضيين، عملت إيران ووكلاؤها (حماس وحزب الله) من جهة وإسرائيل من جهة أخرى على فرض ردع متبادل. وقد بدأ توازن القوى في الشرق الأوسط يتحول بطريقة جعلت المحور الذي تقوده إيران يترنح ويبدو أن إسرائيل حققت مكاسب تكتيكية كبيرة. ومازال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل قادرة على ترجمة هذه المكاسب إلى أهداف استراتيجية من خلال الدبلوماسية والبراعةالسياسية. إن نفوذ إيران في المنطقة يضعف، ولكن مثل هذا التغييرفي الوضع الراهن هو عملية سوف تستغرق وقتاً طويلاً حتى تتحقق. ومن المرجح أن يؤدي ضعف النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط إلىتصور مفاده أن الخيار الوحيد المتبقي أمامها، والذي قد يغير قواعداللعبة، هو اللجوء إلى الأسلحة النووية. وقد أدان المجتمع الدولي حملةإسرائيل المتزايدة الاتساع واستخدامها المستمر للعدوان في غزة ضدالسكان المدنيين، وأثار غضب السكان في الشرق الأوسط، المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وهذا يجعل تحقيق السلام في المستقبل أكثرمراوغة.
  12. لقد خاضت إسرائيل حرباً في غزة لأكثر من عام، وقد أسفرت عن تدمير ألوية حماس بشكل كبير وخسارة فادحة للمقاتلين. ورغم هذا،فإن إسرائيل لا تستطيع تحقيق أهدافها في غزة لأنها لا تمتلك هدفاًسياسياً، وهو ما قد يشكل نقطة ضعفها. والمشكلة الأكبر التي تواجهإسرائيل في إنهاء الحرب في غزة هي أنها لا تمتلك رؤية لقوة حاكمة بديلة. ومن أجل إرساء السلام القابل للتطبيق وحل الدولتين، تحتاج إسرائيل إلى استراتيجية سياسية لإطار حكومي يؤدي إلى تقريرالمصير الفلسطيني ويحظى بقبول دولي وفلسطيني. وقد تمارس نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني نفوذاً و تحكماً على الدول والفصائل المتحاربة وتمهد الطريق لسلام دائم في الشرق الأوسط الممزق بالصراعات. وفي الختام، فإن الصين بمكانتها الاقتصادية والسياسية وعلاقاتها الودية مع كل البلدان المشاركة فيالصراعات قد تكون وسيط سلام موثوقاً للغاية في الشرق الأوسط،ولكن هذا الخيار قد لا يسمح به الغرب!
    (هذه المقالة صالحة حتى 16 أكتوبر 2024 وتستند المراجعات/التحليلات على التسلسل الزمني للأحداث التي وقعت حتى التاريخ.

أكتب تعليق