الأمن الغذائي في العراق ” الجزء الثاني ”

580 Views

كما اسلفنا في المقدمة عن موضوع الأمن الغذائي والذي يعد من اهم الملفات الحيوية والوطنية لأي بلد يسعى لأن تكون سيادته متكاملة وكونه يأثر بشكل مباشر على المواطن وتنعكس هذه التأثيرات سلباً وإيجاباً بتغير مؤشر الأمن الغذائي فأننا هنا بحاجة للعودة الى الوراء قليلاً والبدء بتعريف مفهوم الأمن الغذائي: يُشير مُصطلح الأمن الغذائي إلى توفّر الغذاء للأشخاص دون أي نقص، ثم نستطيع القول بأن الأمن الغذائي قد تحقق فعليا عندما نصل لمرحلة يكون الفرد فيها لا يخشى الجوع أو أنه لا يتعرض له، ويستخدم كمعيار لمنع حدوث نقص في الغذاء مستقبلاً أو انقطاعه إثر عدّة عوامل تعتبر خطيرة ومنها الصراعات السياسية والحروب، التغير المناخي وغيرها من المشاكل التي تقف عائقاً في وجه توفّر هذا الأمر.

في حقيقة الأمر فأنه بالإمكان تقسيم مفهوم الأمن الغذائي إلى مستويين رئيسيّين او مرحلتين ان صح التعبير وهما المطلق والنسبي، فيعرف المطلق بأنه قيام الدولة الواحدة بإنتاج الغذاء داخلها بمستوى يتساوى مع الطلب المحلي ومعدلاته أو قد يفوقها أحياناً، ويمكن اعتباره غالباً بأنّه يحقق مفهوم الاكتفاء الذاتي الكامل، أما الأمن الغذائي النسبي فإنه يشير إلى مدى قدرة الدولة على إنتاج وإيجاد ما يحتاجه الشعب أو الأفراد من سلع وغذاء بشكل جزئي يتم في السعي والتطوير من اجل الوصول للكمال.

وأما فيما يتعلق بمحور حديثنا هنا “العراق” ومستوى الأمن الغذائي في البلد فأنه وللأسف ولفترة طويلة لم يلق الأمن الغذائي الذي يعد حجر الأساس للأمن الوطني العراقي والقلب الفعلي لسيادة البلد الحقيقية رعاية خاصة أو أهتما بشكل يتناسب مع حجم الأمر من السلطات العراقية المتعاقبة على مدى فترات طويلة إذ استمر معتمداً في معظم مصادره الغذائية على الاستيراد من الخارج ولم يتم تفعيل منظومة الأمن الغذائي بالشكل اللازم ربما بسبب كثرة الصراعات والحروب الدائرة في البلد على مدى اربع عقود صريحة وعقدين سبقتها بشكل ضبابي وغير واضح،
ولاننسى أن احد أهم أسباب نشوب الصراعات هو فقدان الأمن الغذائي وتدهوره لذلك فأن العلاقة بين الأمن الغذائي والأمن المجتمعي “مجتمع خالي من الصراع” هي علاقة تبادلية يؤثر احدها بالأخر بشكل عكسي .

بطبيعة الحال فأن منظومة الأمن الغذائي في العراق تأثرت بشكل كبير و بدأت بالانحدار منذ العام 1991 فالحصار الاقتصادي متعدد الأطراف على العراق بقرار أممي تسبب في ضرر بالغ في الفترة بين 1990 و2003. فقد تردي وضع الأمن الغذائي. وبعد عام 1996، أدى برنامج النفط مقابل الغذاء إلى تخفيف الحظر لحد ما عن طريق السماح بالاستفادة من الصادرات النفطية تحت مراقبة الأمم المتحدة في استيراد الغذاء، غير أن وضع الأمن الغذائي ظل أسوأ عما كان عليه قبل عام 1990 لأن الفكرة بحد لذاتها لمبادلة النفط بالغذاء تشكل النقيض لمفهوم الأمن الغذائي.
بطبيعة الحال استمر الوضع حتى العام 2003 وانتهاء الحصار الأممي المفروض على البلد ولكن!!
كان من المفترض والبديهي جداً وفق ما تم تصويره عن العراق مابعد الإطاحة بالنظام وكيف سيتغير وضع البلد من حال الى حال اخر افضل!!! أن تبدأ الحكومات التي جائت لإنقاذ العراقيين وانتشالهم مما كانوا فيه بالعمل بشكل جدي على تأمين معيشة هذا المواطن في بلد غني مثل العراق

تأمين المواطن العراقي من التفكير حتى بمسألة الغذاء وأنه قد يأتي عليه يوم لن يستطيع فيه توفير الغذاء لأبنائه ، وماحدث كان النقيض تماماً تدهور الأمن الغذائي بسبب إنشغال السياسيين بتقاسم الثروات والمكتسبات السياسية ، بدأت منظومة الزراعة بالتراجع وما زالت حتى هذه اللحضة ، انهيار منظومة الصناعة وغيرها من الأسباب والتي بمجملها انتجت بلد يعاني اليوم من مشكلة حقيقية هي مشكلة انعدام الأمن الغذائي بشكل كامل إن استمر الحال على ماهو عليه.

ومن الأمثلة الحقيقية التي تنذر بإنعدام الأمن الغذائي في البلد هي الزيادة السكانية من 23.5 مليون نسمة في العام2000 الى نحو 39 مليون نسمة في عام 2019 والذي يعني زيادة بنسبة66 بالمئة في غضون 20 عاماً والمشكلة هنا ليست الزيادة السكانية بحد ذاتها ولكن بقاء الامدادت الغذائية على حالها دون القدرة على مواكبة هذه الزيادة وهنا تضهر خطورة عدم الالتفات لملف الأمن الغذائي ، وأيضا من الأمثلة الممكن طرحها بهذا الشأن “يستورد العراق مازيد عن ال60% من احتياجاته الغذائية. ولذلك، في حال حدوث صدمات في سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية أو انهيار موازنة الدولة وكون الاعتماد الكلي تقريبا في منظومة الغذاء على الدولة فأن البلد سيعاني حرفيا من الجوع حال حدوث ذلك.

ختاماً فأن الأمن الغذائي في العراق قائم على ثلاثة محاور رئيسية:
-الفجوة الغذائية .
-البطاقة التموينية.
-الاكتفاء الذاتي.
نتوقف هنا حتى لا نطيل على القارئ العزيز ونستكمل في الجزء الثالث شرح مبسط ومفصل عن المحاور الثلاثة.

 

*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز

لا تعليق

معلومات الإتصال

[email protected]

راسلنا

    مركز ذو الفقار للدراسات و الابحاث الاستراتيجية و حقوق الإنسان .... و هو مؤسسة خاصة بحثية مستقلة تعنى بالشأن العام في العراق وتأثيرات محيطه الاقليمي والدولي عليه.