نستهل في هذا الجزء من الدراسة حديثنا عن مدينة الموصل وذلك لأهمية هذه المحافظة وكثرة الملفات والقضايا المتعلقة بها وتطرقنا في الدراسة السابقة لعدة امور اهمها كان هوية الموصل وطبيعة سكانها وما تعرضت له في الفترة التي سبقت احتلال تنظيم الدولة ومابعدها وأما في هذا الجزء فأننا سنتطرق لعدة امور اخرى أهمها:
١- الآثار والمعالم التاريخية للمدينة:
حيث دمر التنظيم المتطرف اغلب الجوامع والمراقد والاضرحة في الموصل كجامع وضريح الشيخ فتحي الذي يعود تاريخه الى عام 1050 ميلادية وجامع ومرقد الشيخ قضيب البان الذي يعود تاريخه الى عام 1150 ميلادية ومرقد الامام الباهر الذي يعود تاريخه إلى عام 1240 ميلادية وضريح الامام يحيى ابو القاسم الذي يعود تاريخه إلى 1240 وضريح الامام عون الدين الذي يعود تاريخه إلى 1248″.
و كذلك تم تدمير جامع النبي يونس المشيد على تلة آشورية ويعود تاريخه إلى عام 1365 ميلادية وجامع النبي جرجيس الذي يعود تاريخه إلى عام 1400 ميلادية وجامع النبي شيت الذي يعود تاريخه إلى عام 1647 ميلادية”.
و من اهم المعالم الاخرى التي تم تفجيرها قبر المؤرخ ابن الاثير الجزري الموصلي (1160-1232) وتمثالا الشاعر ابي تمام (803-845) وعثمان الموصلي (1854-1923) الشاعر والعالم بفنون الموسيقى”.
وجميع ما سبق الحديث عنه من آثار مهمة وفريدة من نوعها على مستوى العالم تعود لمئات السنين.
وكذلك قام التنظيم المتطرف بتدمير العديد من الآثار الاخرى التي لم يتم تدوينها وتوثيقها حتى هذه اللحظة كمرقد الامام ابراهيم الذي يعود للقرن الثالث عشر الميلادي ومرقد الامام عبد الرحمن ومرقد عبد الله بن عاصم حفيد عمر ابن الخطاب وعشرات الاضرحة والمراقد الاخرى”.
والأمر الواجب ذكره هنا ان هذه المعلومات مؤكدة وموثوقة و هي مدونة عند الكثير من ابناء المدينة بشكل خاص وعند المنظمات العالمية المعنية بهذه الأمور بشكل عام.
ولا ننسى ان التنظيم في وقتها قد سيطر على متحف الآثار في الموصل الذي يحوي الاف القطع المهمة والنادرة والتي استخدمها التنظيم كأحد مصادر التمويل في ذلك الوقت ناهيك عن الآثار التي تم تهريبها في اوقات سابقة بغطاء حكومي وسياسي يديره متنفذون في البلد.
وأما بالنسبة للتراث المسيحي في المدينة فأن الموصل تضم بين جنباتها اهم واقدم الكنائس في العالم ككنيسة شمعون الصفا التي يعود تاريخها الى عام 300 ميلادية وكنيسة مار أحوديني التي يعود تاريخها الى عام 575 ميلادية وكنيسة الطاهرة العليا التي يعود تاريخا الى عام 1250 ميلادية” وتضم كذلك نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها الى نحو 1500 سنة.
ولايخفى حقيقة على القارئ والمتابع لهذا الشأن ان من اولويات هذا التنظيم هو التدمير ولم يحصل في التاريخ مثل هذا الاصرار على تدمير التاريخ بكل انواعه وتحويل آثار تعود الى مئات السنين الى ركام وحجر”.
وبين هذه المواقع مسجد ومرقد النبي يونس الذي يحظى بقدسية لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء، بالاضافة إلى عدد كبير من الشواهد والمساجد والتماثيل التي تجسد تاريخ هذه المدينة الغني، وقد حولت إلى ركام.
وفي ختام الحديث عن هذا الموضوع وبعد تشخيصنا لكل ماحدث في المدينة والاطراف المسببة لذلك، إلا انه لايخفى على اي شخص ان ماحدث ويحدث في العراق ومنذ فترة ليست بالقريبة هو تدمير ممنهج للبلد وعلى جميع الاصعدة تدمير يفوق في حجمه والتخطيط له تنظيم بعينه او جهة بعينها فهو تدمير يشترك فيه شركاء عديدين من جهات عدة.
٢- القطاع الصناعي في الموصل ومكانته المهمة:
شهدت الموصل التي كانت يوما مركزا للصناعات العالمية، تدهوراً ملحوظاً في هذا القطاع منذ عام 2003، وهو تاريخ التدخل الأمريكي في البلاد وحتى العام 2014 تاريخ سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة اليوم، وبعد عدة أعوام على تحرير المدينة من بقايا التنظيم المتطرف، لاتزال الصناعة تعاني ولا تستطيع العودة إلى سابق عهدها وذلك بالطبع بسبب نقص الموارد المالية، ولكن أيضا انتشار منتجات دول أجنبية في الأسواق مما يؤثر سلباً على هذا القطاع.
وحسب البنك الدولي، أعيد بيع ما بين 70 إلى 80% من معدات تلك المصانع خارج البلاد، أوتحولت لصناعة الأسلحة.
هجرت مصانع عدة بسبب نقص المواد الأولية، أو بسبب نزوح اليد العاملة الماهرة إلى المخيمات أما الطلب، فانخفض، إذ كان السكان يفكرون في البقاء على قيد الحياة.
وأما اليوم فان الوضع الامني الذي تعيشه المدينة بشكل خاص والمناطق المحيطة بها والواقع الضبابي الذي يعيشه العراق يجعل من الصعب بل من شبه المستحيل لهذا القطاع ان ينتعش.
وللعودة إلى العصر الذهبي ان صح القول فيما يتعلق بالقطاع الصناعي في المدينة فأن العديد من الخبراء الاقتصاديين يؤكدون على أهمية وضع ضوابط لأستيراد السلع من خارج البلد حتى يتسنى للقطاع المحلي ان يمارس جزء بسيط من دوره وإعادة الروح للمعامل في الموصل تتطلب دعماً حكومياً، وإصلاحاً للبنية التحتية، وتوفير جهاز مصرفي كامل” في بلد يصنف البنك الدولي نظامه المصرفي بـ”المتخلف”
٣- سد الموصل:
سد الموصل هو أكبر سد عراقي ورابع أكبر سد بمنطقة الشرق الأوسط، بني على أرض غير صالحة لتشييد سد بحجمه ما يجعل حقنه بمواد داعمة أمرا ضروريا لتفادي كارثة إغراق مناطق سكانية بأكملها.
التأسيس:
تعود حكاية تشييد السد إلى عام 1950 عندما قرر مجلس الإعمار العراقي تأسيسه على نهر دجلة في موقع يوجد على بعد نحو أربعين كيلومترا شمال الموصل.
لكن التقلبات السياسية التي عاشها العراق والدراسات الفنية التي أجريت على الأماكن المقترحة وبنية السد ومكونات بنائه جعلت إنشاءه يتأخر إلى عام 1984 خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين الذي حمل السد اسمه.
خصائصه:
سد الموصل هو أكبر سد في العراق، ورابع أكبر سد في منطقة الشرق الأوسط، وهو يوفر المياه والكهرباء لأكثر من مليون عراقي.
بني سد الموصل على تربة هشة تحتاج إلى دعم مستمر لتقويتها حتى لا تنهار فتتفجر المياه التي يبلغ ارتفاعها نحو عشرين مترا في اتجاه سكان المدن القريبة.
ووفق مصادر أميركية عام 2007، فإن معدل قدرة السد على توليد الكهرباء يصل إلى 750 ميغاوات تكفي لسد حاجات حوالي 675 ألف منزل بينما يبلغ حجم كمية المياه المخزنة في سد الموصل نحو 12 مليار متر مكعب، تخصص للشرب وري الأراضي الفلاحية ، يصل طول سد الموصل إلى 3.4 كيلومترات، وارتفاعه إلى 113 مترا، وكلف بناؤه نحو 37.7 مليون متر مكعب من مواد البناء.
وأما بالنسبة للأرضية الغير صالحة:
وبالرغم من أن شركات استشارية متعددة أجرت دراسات كثيرة على مكان بناء السد، فإنه بني في النهاية على أرضية غير صالحة، ما يجعله خطرا مستمرا إن لم يتعهد بالمعالجة بانتظام. وبحسب دراسة أعدتها جامعة “لولي” التكنلوجية السويدية، تعتبر أساسات السد ضعيفة أصلا، نظرا لمكوناتها الملحية التي تتآكل جراء التقائها بالمياه، ومن ثم تسمح لها بالنفوذ، متسببة بتداعي السد والتهديد بانهياره، الأمر الذي فاقمه الإهمال والمعارك المستمرة منذ الغزو الأميركي عام 2003.
ووفق خبراء عراقيين، فإن دراسة روسية معمقة أجريت قبيل بناء السد أقرت بشكل قطعي عدم صلاحية المكان لبناء سد عملاق بالحجم المطلوب بسبب نوعية الأرض التي جرى تحليلها، وأثبتت أنها تتعرض للذوبان نتيجة الضغط العالي من المياه ، غير أن شركتين فرنسية وسويسرية قدمتا دراسات للحكومة آنذاك اعتبرتا فيها المنطقة صالحة لبناء السد بعد إجراء تعديلات بسيطة على أرضيتها وعلاجها بمواد خاصة، واضعة نسبة فشل تقارب 15%، على خلاف التقرير الروسي الذي تجاوزت نسبة الفشل في تقريره الـ93%.
وقد أثبتت التقارير الروسية صحتها بعد أشهر قليلة من بداية الشروع في تشغيل السد بعدما حدثت تشققات وانجرافات في التربة أسفل قاعدته، مما اضطر الشركتان المنفذتان إلى علاج ذلك عبر عملية الحقن الإسمنتي التي تجري تقريبا منذ عام 1986.
وفي حال انهيار السد لا قدر الله فأنه من المتوقع أن يستغرق وصول الموجة الأولى من الفيضان إلى مدينة الموصل ثلاث ساعات كما يتوقعون أن تغرق مياه الفيضان مدن تكريت وسامراء جنوب الموصل وأرياف العاصمة بغداد مما سيهدد ملايين العراقيين، ويخلف خسائر على طول ثلاثمئة كيلومتر في اتجاه مجرى النهر، عدا الأضرار التي سيخلفها على مدى أعوام للمستقبل الزراعي والصناعي والبيئي للمنطقة.
وتحاول المصادر الرسمية طمأنة السكان، وتؤكد أنها استخدمت أجهزة إنذار عالية ومتابعة دقيقة، وتقوم بتسجيل مؤشرات السد بشكل يومي تقدم لمجلس خبراء متابع لهذا الشأن.
وأعلنت الحكومة في فبراير/شباط 2016 أنها استقدمت شركات عالمية لتقييم وضعية السد واستخدام الطرق الحديثة في التعامل مع الموضوع، كما أن مهندسين من الجيش الأميركي يتابعون المستجدات أولا بأول.
المساعدات :
عرضت تركيا في فبراير/شباط 2016 على العراق المساهمة بإصلاح الأضرار في سد الموصل، حيث ذكر بيان لسفير أنقرة لدى بغداد في تلك أن بلاده عرضت على الحكومة العراقية تقديم المساعدة والدعم عبر الشركات التركية المتخصصة لمعالجة وضع السد، بالتنسيق مع الجهات المعنية بذلك.
كما طالبت السفارة الأميركية في العراق، أواخر فبراير/شباط 2016، الحكومة العراقية بتفريغ السد من المياه، مؤكدة حدوث تشققات في جدرانه غير أن مستشار وزارة الموارد المائية العراقية مهدي رشيد علق على بيان السفارة الأميركية بنفي إمكانية انهيار سد الموصل، مؤكدا أنه يعمل بشكل طبيعي.
ونكتفي هنا بهذا القدر لنستكمل في الجزء الثالث من الدراسة بقية الامور المهمة والمفصلية في هذه المحافظة.
*يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز