يعيش العالم بأسره في حالة ترقب شبه يومية لتطور احداث الصراع المعلن بين امريكا و إيران و انعكاساته على العراق على وجه الخصوص و المنطقة العربية بشكل عام ، حيث ينقسم معظم العراقيون و العرب على المستويين الرسمي و الشعبي الى خندقين احدهما مؤيد لايران الجارة المسلمة و المقاومة و الآخر مناصر لامريكا المخلّص القوي من التمدد الإيراني الذي ابتلع العراق و سوريا و لبنان و على هذا الأساس اعيد رسم خارطة المنطقة العربية ليتمزّق التحالف الخليجي – الذي كان رصينًا لسنوات طويلة – فيكون كل من قطر و عمان ضمن المعسكر المقرّب من ايران ، و تكون السعودية و الامارات و البحرين في المعكسر المعادي لطهران و للدول التي تحتفظ معها بعلاقة جيدة تصل الى القطيعة ، و أما الكويت فيبدو موقفها مواربًا و تبدو كأنها متابعة للأحداث ، بينما تتفق جميع هذه الدول على علاقة ممتازة مع امريكا ، و ما يثير التساؤل ان السعودية و الامارات لم تقطع علاقاتها مع الحكومات العراقية المتعاقبة و التي تكن الولاء المعلن لايران و تنفذ مصالحها بالمنطقة بشكل مباشر ، بالعودة الى العلاقة بين طهران و واشنطن نجد انها اتسمت بحالة من العداء المعلن بين الدولتين لم يهدأ إلاّ خلال فترة حكم الشاه الابن محمد رضا بهلوي الذي قفز بالمنحنى البياني للعلاقات بين الدولتين من ذروة الانخفاض الى ذورة الازدهار ، فكوّن علاقة صداقة مع امريكا بل قد يحسبها مراقبون علاقة تبعيّة مطلقة مقابل تثبيت حكمه للبلاد ، على عكس النهج الذي اتبعه والده الشاه رضا بهلوي الذي اختار دعم المعسكر النازي ضد امريكا و دول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية .
اما بالعقد الحديث فإن العلاقة بين ايران ما بعد الثورة الاسلامية و امريكا عايشت انتكاسة كبيرة وصلت إلى القطيعة التامة بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين بالعام ١٩٨٠ م ، لتعود حالة من تراشق الاتهمات بين الدولتين و التهديدات بالحرب العسكرية ، استنزف خلال هذه التهديدات اقتصاد اكبر الدول الخليجية ، و لا يفوت اي مراقب للوضع أن يلاحظ أن العراق يدفع القسم الاكبر من فاتورة هذا الصراع من اقتصاده و ثرواته بل و حتى من امنه و سلامة مواطنيه ، و على الجهة المقابلة يرى المراقب للاحداث ان كلتا الدولتين تسيران بخطوط متوازية قلّ أن تتصادم بشكل يؤثر على مصالحهما الحقيقية في المنطقة ، فبالوقت الذي تعتبر ايران ان امريكا الشيطان الاكبر الذي يدمر الشعوب و يهيمن عليها ، و بالرغم من ادانتها للعمليات العسكرية الامريكية في افغانستان بشكل صريح ، إلا انها قدمت الدعم العسكري و اللوجستي للقوات الامريكية بعد اكتوبر من العام ٢٠٠١ م بناءً على اتفاق بين الدولتين سمحت خلاله طهران باستخدام موانئها من قبل امريكا و استمر الدعم حتى وصل لتقديم الدعم العسكري للقوات الامريكية هناك ، الامر ذاته تكرر بعد الغزو الامريكي للعراق حيث سلمت امريكا قيادة العراق لمعارضة تدين بالولاء المطلق لايران ، الامر الذي ساهم بالتمدد الايراني بالعراق .
قائمة محاور الصراع المعلنة بين الدولتين تطول و لعل ابرزها و اكثرها اثارة للجدل الملف النووي الايراني الذي استغرق سنينًا من المدّ و الجذب ، و كلف ايران الكثير من العقوبات و الخسائر الاقتصادية ، لكن تبقى اشارة الاستفهام ذاتها تتسع و تكبر لماذا تلكأ امريكا بمنع ايران من المضي قدمًا ببرنامجها النووي بشتى الوسائل ، و قد يكون احدها الخيار العسكري كما حدث عام ١٩٨١ م عندما اقدمت الطائرات الاسرائيلية على ضرب المفاعل النووي الاول بالمنطقة وهو لايزال قيد الانشاء في العراق ، على الرغم من ان الضربة لم تُسبق بعقوبات او انذارات طالت لسنين كما حدث مع طهران .
و هنا يعود السؤال الى الواجهة عن طبيعة العلاقات بين امريكا و ايران المثيرة للجدل هل هو عداء ام التقاء و اختلاف مع رغبة طرفي الصراع ببقاء الآخر لان وجوده كقوة مدمرة يعدّ فزاعة لباقي دول المنطقة التي غيّبت السياسة و اكتفت بسياسة الولاء لحفظ الأمن الذي ينام على صفيح ملتهب …
* يمنع منعاً باتاً استخدام المعلومات والنصوص الخاصه والواردة في هذا الموقع الا بأذن مسبق من ادارة المركز